فأردت، فأردنا، فأراد ربك
الله اعطى للإنسان العقل ليستطيع التمييز والتفكير والتفكر، ومن خلال تفكيره الصحيح يستطيع ان يتخذ القرارات المناسبة والتي يستنبطها من خلال النظريات العلمية والتجارب الواقعية، وهذه القرارات تحرك القوة الارادية لدى الانسان، ويستطيع ان يؤدي ارادته بحرية كاملة، ونلاحظ ذلك في الآيات الكريمة التالية والتي تتحدث عن تجربة موسى عليه السلام مع الرجل الصالح.
((أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)) سورة الكهف
فأردت
نجد ان الرجل الصالح لما مر على احدى السفن قام بخرقها وجعل فيها عيباً، مما جعل موسى ع يعترض على هذا الفعل، فلا توجد حاجة الى خرق السفينة ولا توجد أي مبررات واضحة بالنسبة له ع، ولكن بعد ان أراد الرجل الصالح ان يخبره ع عن السبب، نجد ان الدافع كان عن معلومة سابقة لدى الرجل الصالح، بوجود ملك ظالم يأخذ السفن الجيدة والتي بلا عيوب غصباً، وكذلك فان الرجل الصالح لديه معلومة أخرى عن ان أصحاب السفينة أناس مساكين، ولا حول لهم ولا قوة على رد هذا الملك الظالم، فلذك استطاع من خلال المعلومات النظرية والفكرة العامة التي يمتلكها ان يقرر ويتخذ اجراء يتوقع منه ان يحمي أصحاب السفينة، وان يبقيها عندهم، وذلك من خلال خسارة قطعة من الخشب لعلاج الخرق، خير من خسارة السفينة، في الوقت نفسه فان الملك لا يريد ان يأخذ السفن المعابة، فكانت الآية تتحدث عن ان الرجل الصالح اتخذ القرار الصحيح بقوله تعالى.
((…فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا…)).
فأردنا
بعد ذلك فان الرجل الصالح يقتل غلاماً، ومع اختلاف الروايات حول سبب قتله، الا ان اعتراض موسى عليه السلام على هذا الفعل كان بسبب عدم معرفته لخفايا الأمور، بينما كان الرجل الصالح يعرف بها، فهذا الغلام ومن خلال تصرفاته كان سيصبح نقمة على ابويه، ولكونهما مؤمنين وصالحين، فان بقائه سيرهقهما، نتيجةً لذلك، فقتله هو الحل لما يقوم به من أفعال سيئة، وذلك بناءً على المعطيات والأدلة التي يمتلكها الرجل الصالح، فكان قراره بقتله صحيحاً ولكنه ليس قراراً فردياً هذه المرة، فقرار تعويض هذين الابوين بغلامٍ اخر هو ليس من عنده، وانما من عند الله، ولذلك كانت إرادة العبد الصالح مع إرادة الله قد اجتمعت في هذه المسألة، فالعبد الصالح اخذ الجانب الواقعي الفعلي من الحدث، اما الله تعالى فكان له الجانب الغيبي والقدرة على التعويض والعطاء، وهو كما جاء في قوله تعالى.
((…فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا…)).
فأراد ربك
لم تعد المعلومة النظرية والتجربة العملية مسعفة للرجل الصالح هذه المرة، فهو رغم معلوماته الا انه كان عاجزاً عن اتخاذ القرار المناسب، ففي هذه الحادثة قام ببناء الجدار، والذي اعترض عليه موسى ع لأنه بناه في قرية لم يضيفوهما، وكان من الاجدر ان يبنياه مقابل المال، ولكن ما خفي عنه ع بان تحت هذا الجدار كنز، وانه لغلامين يتيمين، وكان ابوهما رجل صالح، وكان القرار هذه المرة لله تعالى، لان الانسان عاجز عن الإحاطة الكاملة بالمستقبل، بل وهو عاجز عن تحقيق الصدفة العجيبة، التي ستجعل هذين الغلامين عندما يشتد عودهما يأتين الى الجدار، لينهار ويستخرجا كنزهما، لا احد يستطيع ان يخطط مثل هذا التخطيط، ولذلك كانت الإرادة هذه المرة لله تعالى.
((…فَأَرَادَ رَبُّكَ…)).
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي
لولا فضل الله تعالى لم يستطع الرجل الصالح من فعل ما فعله، فاصل الأفعال التي قام بها هي العلم، ولولا انه تعالى انار له طريقه بالعلم، لما كان قادراً على اتخاذ القرارات الصحيحة، ولما كان قادراً على ان يحقق ارادته، ولما كان اهلاً ليكون وسيلةً لتحقيق إرادة الله تعالى.
الخلاصة
انت أيها الانسان عندك الإرادة لتحقيق بعض الأمور التي تمتلك المعرفة فيها، وعليك ان تسخر عقلك وتنشط تفكيرك، وان تتخذ القرارات في حياتك اليومية وان لا تلقي باللوم على غيرك، ولا على الله تعالى، فهناك أمور عليك ان تتخذ قرارك لوحدك وبنفسك، اما الله تعالى، فإنك ستجده قد وضع امامك كل المعطيات والامثلة، مع ما لديك من عقل جبار، وعليك ان تتوكل على الله وتفعل ما عليك فعله.
لا تنتقد احداً حتى تعرف سبب فعله لذلك، فانت لست عالماً بكل صغيرة وكبيرة، وعليك ان تحترم نفسك بوضعها في محلها الصحيح، فانت لست بأعلم من موسى عليه السلام، ولست بأفضل من الرجل الصالح، ولست بشيء امام عظمة الله تعالى.
وعلينا ان نعرف بان قدراتنا لها حدود، وقراراتنا تحتاج الى تقويم، واسناد، ومباركة من الله تعالى، فلسنا قادرين على الإحاطة بكل التفاصيل، ولذلك نحن نحتاج الى نظرة الله الينا، وطلب المعونة منه.
التسليم المطلق لإرادة الله تعالى، فما دمنا عاجزين عن إدراك العلم الغيبي المطلق، فنحن بحاجة الى رحمة الله لنا، وهذه الرحمة تعتمد على ما نحن عليه، وعلينا ان نكون في الجانب الصالح من المعادلة الأخلاقية، لنكتسب الرحمة الالاهية، لتكون نتيجتنا ان يرسل الينا ربنا الصالحين، ليساعدونا او أهلنا في هذه الحياة، كما فعل مع المساكين والابوين المؤمنين واليتيمين ابني الرجل الصالح.
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "فأردت، فأردنا، فأراد ربك"
إرسال تعليق