صاحب الرؤى المتحققة
مسلم شاب لطيف ومحب للمساعدة، كان قد أعطاه الله ملكة جميلة جداً وهي أن رؤاه في مناماته تتحقق بالفعل، ورغم انها كانت تساعده ليساعد نفسه او يساعد بها الآخرين، الا انه في احدى تلك الرؤى شعر بالحزن الشديد لامتلاكه هذه النعمة، ففي تلك الليلة كان في قلبه حرقة لم يستطع التكلم بها لاحد، فقبلها بليالٍ رأى مسلم في منامه رؤية، وفي الليلة التي بعدها رأى نفس بدايات الرؤية ولكن بأحداث مختلفة، وفي الليلة الثالثة رأى ايضاً نفس البدايات وبأحداث تختلف عن الرؤيتين السابقتين، وكل الرؤى كانت حول اخته الصغيرة ملاك.
ماذا رأى مسلم في منامه؟
الليلة الأولى ...
رأى مسلم اخته العزيزة على قلبه ملاك وهي تتحدث الى شابٍ مجهول عبر احدى برامج التواصل الاجتماعي، كانت بداية الحديث طبيعية، سؤال وجواب ومزحة خفيفة، ولكن تدريجياً أصبحا يتكلمان بطريقة اريحية أكثر، ويمون أحدهما على الاخر، بل زادت وتيرة المديح بينهما وبدأ الكلام يتطور بوتيرة تختلف عن شخصين غريبين لا يعرف أحدهما الاخر، مجاملاتهما تجاوزت حدود الصداقة العادية، وفي وسط هذه المجاملات شعرت ملاك بشيء من التردد في اكمال صداقتها مع هذا الغريب، ولكن الأوان قد فات كثيراً، فبعدما حاولت تجاهله بدأ بمضايقتها في العالم الافتراضي، ولما حظرته وأوقفت وصول حسابه الى حسابها عبر ذلك التطبيق، انتقل الى مضايقتها عبر العالم الحقيقي.
خلال تلك الفترة ذلك العصفور الغريب كان يبحث عن كل الأدلة التي تبين مكان عمل ملاك وأين تسكن ومن هم اصدقاؤها، فهو لم يكن عصفوراً بريئاً بل عقرب ومريض نفسي اشعرته ملاك بالغضب حينما هجرته، لذلك نزل الساحة وبدأ مضايقتها وملاحقتها، حتى تعدى الموضوع حدوده ليصل اخيراً الى تدخل الاهل، وهنا كانت المصيبة، هو يدعي انها خدعته واملته وقد اظهر للناس محاوراتها معه، وهي تقول ما كنت قاصدة أي شيء كان مجرد صديق، ولم يكمل مسلم حلمه ليستيقظ مرعوباً من هذه الرؤية المزعجة.
الليلة الثانية ...
ما إن خلد مسلم للنوم في ليلته الثانية حتى رأى نفس الرؤيا من جديد ولكن هنا لم تكن ملاك وصلت الى مرحلة التردد في اكمال صداقتها بهذا الغريب، فهي ما زالت مستمرة معه، ولكن المشكلة كانت بصديقه المقرب منه، لقد علم من صديقه انه على تواصل مع فتاة، اراه رسائلها، الفضول دفع هذا الصديق للبحث عن ملاك، فعرف مكان عملها، والمصادفة العجيبة انها تعمل معه في نفس المؤسسة، عرفها بشحمها ودمها كما يقولون، واخذ من صديقه تلك المحادثات وانطلق بها الى ملاك ليبتزها، وعندما رفضته، شهر بها امام الجميع، لم يترك احداً من زملائه وزميلاته الا واخبرهم بعلاقتها مع صديقه، وهو يريهم صور تلك المحادثات، لتجد ملاك نفسها في موقف لا يحسد عليه، سمعتها مدمرة، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها لأنها بنظر الجميع مخطئة ولا عذر لها ابداً، ولم يكمل مسلم رؤياه ليستيقظ ايضاً وهو قد ترك ملاك حائرة تبكي بحرقة في رؤياه الثانية.
الليلة الثالثة …
رأى نفس البدايات ايضاً، فقط شيء واحد كان مختلفاً هذه المرة عن رؤياه الثانية، صديق ذلك الغريب كان احد اقاربها، لم يشوه سمعتها في أجواء العمل، بل دمرها لها في أوساط العائلة، وساعده بذلك بعض القريبات الحاقدات، حتى وجدت نفسها في موقف صعب تواجه أهلها، تحاول نكران الموضوع والدفاع عن نفسها، ولكنها تتفاجأ بان المحادثات بحوزتهم، والتي حرصت دائماً على حذفها واخفائها، ولم يعد عندها وسيلة للدفاع سوى البكاء في وسط خيبة امل أهلها بها، وهنا لم يستطع مسلم اكمال رؤياه الأخيرة، فقرر النهوض والتوجه الى اخته ملاك ليخبرها برؤاه الثلاثة.
كان يكذب نفسه
امسك مسلم بيد اخته ملاك وقد كانت تمسك للتو بهاتفها النقال، وأخبرها بملكته التي هي تعرف بها، وان رؤاه متحققة كما عهدها سابقاً، وانه قد رأى في منامه ثلاثة رؤى وهو قلق للغاية منها، وان كانت بلا نهايات، ولكنها تشير الى خطر محدق بأخته، ثم سرد عليها ما رأى في منامه.
في بادئ الامر سكتت ملاك عن الكلام، ثم اجابته بالنفي، فهي لا تكلم اشخاصاً غرباء بالمرة، ولا تمسح او تحذف رسائلها ابداً، وقد تكون رؤاه هذه مجرد اضغاث أحلام، ورغم قناعة مسلم بان رؤاه صحيحة ولكنه حباً لأخته كان يكذب نفسه، وطلب منها ان تكون حذرة حتى لا تقع في المحذور، ثم أطرق رأسه واخبرها عن قرب موعد مغادرته البيت، لأنه موعود بالرحيل بعيداً الى مكان مجهول، وقد ينقطع لفترة طويلة عن التواصل معها، وسار حتى وصل إلى باب الغرفة ليلتفت اليها للمرة الأخيرة، ويقول لها “أتمنى يا ملاك ان تكون رؤياي ليست صادقة، فانا لا احب رؤية أختي الصغيرة تغمر عينيها الدموع، ويحرق قلبها لهيب الضيم والكمد”.
ماذا ستكون الخاتمة؟
في تلك اللحظة جاء ملاك إشعار من ذلك التطبيق، كانت رسالة، اختارت ملاك وبصمت أن تركن إلى عقلها وحبها لأخيها وان تسمع له وتصدق رؤياه، فهي من داخلها كانت تعلم انها على خطأ حينما افرغت همومها بالتكلم مع شخص غريب، فالناس قد يكونون بوجوه الأبرياء الانقياء، ولكنهم يرتدون تلك الوجوه اقنعةً يخفون بها حقيقتهم القبيحة والشريرة، لذلك قررت التغيير، حظرت كل الغرباء من حساباتها على برامج التواصل الاجتماعي، وتبعت أخيها لتطلب منه البقاء حتى يحين الأجل.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "صاحب الرؤى المتحققة"
إرسال تعليق