فقط امنحه الأمل وهو سيتكفل بالنهوض
اعتاد الأب قبيل فصل الشتاء أن يخرج إلى الغابة ليصطاد بعض الغزلان قبل تساقط الثلج، حيث تقل حركة الحيوانات، وتزداد وحشية الحيوانات الكاسرة، وكان يخرج معه في كل سنة ابنه يوسف، ولكنه لم يكن يعتمد عليه كثيراً ولطالما كان يوبخه لأنه يظنه أحمق، واثناء خروجهما معاً للصيد التقى الاب بصديقه في استراحة بالقرب من طريق الصعود الى الغابة،
قصة يوسف ووالده
هناك شكا لصديقه حماقة ابنه يوسف، وتثاقله من اخذه معه للصيد، فعرض عليه مازن ان يأخذ يوسف معه وان يرسل شابين ممن يعملون في مزرعته معه لمساعدته على الصيد، حيث كان مازن يهم بالصعود للغابة للصيد ايضاً ولكن الى الجزء الآخر منها، حيث المكان اكثر خطورة وبعيد جداً، وقد يدخل الشتاء قبيل رجوعهما وهنا ستزداد الخطورة بشكل اكبر، ورغم ذلك فإن فرصهما بنيل صيد عظيم ستكون اعظم عند اطراف تلك الغابة البعيدة.
ذهاب يوسف للصيد
قبل الاب بعرض صديقه، واخذ الشابين وانطلق بهما الى الصيد، وترك يوسف دون أن يودعه، ولكنه اكتفى بالالتفات اليه ثم قال له “إني لأعلم أنك أحمق وأن عمك مازن سيتخلى عن مشواره ويتندم على اصطحابك قبل أن تصلا الى مفترق الطريق”.
حزن يوسف من قول ابيه كثيراً، لكن مازن ربت على كتفيه وقال له “انا وابوك أصدقاء منذ زمن بعيد، هو بطبيعته هكذا جاف لا يظهر عواطفه لاحد بسهولة، لا تحزن إنه يحبك كثيراً”، لكن يوسف لم يهتم بكلام مازن، واعتبرها مجاملة بائسة لا وزن لها ولا أثر، وبات تلك الليلة منطوياً على نفسه متكدراً ولا يشعر الا بالحزن والالم.
دخوله منطقة خطرة في الغابة
انطلقا في الصباح الباكر، واثناء الطريق كان مازن يسأل يوسف عن تجاربه في الصيد وما يجيده، وعن حياته وعن مهاراته وهواياته، كان يحاول أن يكسر الحاجز بينهما ولكنه عجز عن ذلك، لم يكن يوسف مستعداً للاستجابة، كان يجامل فقط ويجيب بطريقة تدل على عدم رغبته بمشاركة الحديث، واستمر الامر على هذه الحال حتى اجتازا آخر برجٍ للطوارئ في طريق الغابة، ودخلا في منطقةٍ لا تعمل فيها أجهزة الاتصال اللاسلكية، ولا توجد وسيلة نقل تستطيع الدخول الى هذا العمق، حيث وصلا ليس هناك سوى الصراع من اجل البقاء.
هجوم الحيوانات المفترسة على مازن
وبعد أسبوع من الصيد الوفير، أحس مازن بسكون غريب، توقف الهواء بشكل مفاجئ فعلم أن فصل الشتاء بدأ مبكراً هذا العام، حاول مع يوسف أن يجهز الصيد لنقله بسرعة الى أقرب برج للطوارئ، ومن ثم التواصل مع شرطة البلدة للوصول اليهما قبل وصول موجة البرد والصقيع، واثناء عملهما هاجم مازن دب ضخم اسقطه من فوق المنحدر لتلتوي قدمه ويصاب ببعض الرضوض، شعر يوسف بالرعب ولم يعرف ماذا يفعل او كيف يتصرف، فنزل الى الوادي وحاول مساعدة مازن ولكن مازن كان فاقداً لوعيه لذلك كان يوسف بحاجة الى الارتجال، فأطلق عيارات نارية جعلت الدب يهرب، لكنه في نفس الوقت تسبب بكارثة، حيث صوت اطلاق النار وصل الى اسماع قطعان الذئاب ليدفعها فضولها للوصول الى مصدر الصوت.
بعد برهة من الزمن، استفاق مازن وعلم بما صنعه يوسف، في بادئ الامر وجه اليه الملامة لأنه نبه الوحوش على مكانهما، ولكنه بعد ذلك شكره على صنيعه فلولا ارتجاله وتصرفه السريع لنال الدب المفترس منهما.
دخول فصل الشتاء
حاول يوسف جاهداً أن يتصرف كوالده في مثل هذه المواقف، لكنه كان عاجزاً عن ذلك، ومرت أيام وهو يكافح لحماية نفسه وعمه في ذلك الكوخ المتهالك، وتساقطت الثلوج بكثرة غطت أطراف الوادي، حتى انتهى به الامر الى الجلوس عند رجلي مازن وهو يكفكف دموعه من الخيبة، وهو يقول: “صدق ابي، انا فاشل وأحمق”، وهنا مسك مازن بيده بقوة وهمس في اذنه بضع كلمات، أبقت يوسف طول الليلة يتقلب لم يستطع النوم.
الخطة التي قام بها يوسف
عند الفجر خرج يوسف وحمل بعض اللحم ووزعه على أطراف الوادي، وجمع بعض الاغصان والاعواد وجذوع الأشجار وصنع منها مزلاجاً، ووضع في مقدمتها كل اللحم المتبقي والذي جمعاه في صيدهما، وحمل مازن ووضعه في اخر المزلاج خلف اللحم، ثم سحب المزلاج نحو حافة الوادي، وانتظر قطعان الذئاب لتأتي بسرعتها الى اللحم الموزع على اطراف الوادي، كان يفكر بأمر لم يخطر على بال مازن، كانت خطته أن ينهار الثلج من على حافة الوادي ليغطي تلك الأحجار والصخور التي قد تعيق المزلاج من الحركة، ومن ثم ينطلق بالمزلاج حتى يصل الى برج الطوارئ.
وكما خطط حصل، جاءت الذئاب وحصل الانهيار وامتلأ الوادي بالثلوج، واندفعوا بسرعة الى أسفل الوادي حتى وصلوا الى البرج، هناك صعد برفقة مازن الى اعلى البرج، حيث كانت تعتلي البرج غرفة صغيرة للمراقبة، وحمل معه كل اللحم ايضاً، وما إن انتهى من ذلك وصلت الذئاب ولكنها وصلت متأخرة، وأصبح يوسف وعمه واللحم في امان.
مجيء شرطة النجدة
حضرت النجدة بعد أن أرسل يوسف نداء استغاثة، حملوهم مع صيدهم ورجعوا بهم الى المدينة، مازن نقل للمستشفى للعلاج، ورافقه يوسف، ولما جاء أبو يوسف وعلم من الشرطة القصة وأن ابنه قد أنقذ حياة صديقه مازن، لم يصدق ذلك، فدخل عليهما في الغرفة وسأل يوسف عن صدق ما يقوله الشرطة، فأجابه أن ما قالوه هو الحقيقة، وهنا الاب صك وجهه ولم يحرك ساكناً من العجب.
خاتمة
“ابي، إن عمي مازن همس في اذني شيء جعلني استفق من نومتي”، هكذا أجاب يوسف اباه المندهش المتحير، لقد قال لي “كل ما قيل عنك هو ما يراه الناس فيك، لكنك لم تقل لنا ما تراه انت في نفسك، لسنا دائماً على صواب يا بني، لذلك عليك انت أن تثبت لنفسك وللجميع أنك قادر على تصحيح ما يظنونه بك، هذه فرصتك لإثبات أنك لست كما يظن الناس، بل انت ما انت عليه وما ستصبح عليه إذا ما وثقت بنفسك ورسمت قدرك بنفسك”. كلمات لا أكثر، لكنها لمست قلب يوسف، كسرت كل الحواجز والسلاسل، فقط امنح من تحب الامل وهو سيتكفل بالنهوض بنفسه.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "فقط امنحه الأمل وهو سيتكفل بالنهوض"
إرسال تعليق