العاطفة، العميل الأفضل للمستعمر
خلال احداث القرنين الماضيين هناك امبراطوريات كبيرة اضمحلت واختفت عن
الوجود، وقوى عظمى اندثرت وتبخر جبروتها، في الوقت نفسه برزت نجوم دول
وامبراطوريات أخرى لتسود العالم، وخلال هذه الاحداث فان هذه الدول ومن اجل زيادة
وارداتها ونفوذها العسكري كانت تستهدف الدول الضعيفة لاحتلالها واستعمارها ومص
خيراتها.
على سبيل المثال سنتحدث عن الهند والتي قبعت تحت الاحتلال البريطاني، وما
ان شعر الشعب بأنهم بحاجة الى المقاومة ومع وجود قيادة مفكرة مثل غاندي فان الشعب
الهندي استطاع ان يشل قوة الاحتلال البريطاني، حتى أصبحت المملكة المتحدة لا
تستطيع صد ثورة الشعب الهندي، وهذا ما جعلها تتخذ اسلوباً بعيد المدى في
استراتيجية سحب الخيرات بطريقة غير مباشرة.
المستعمرون بحاجة الى عملاء، ولكن عندما لا يجدون عميلاً يخضع لهم
وينفذ ما يريدونه منه، فانهم بالتأكيد سيسخرون عاطفة الشعوب لصالحهم، وهي أفضل
الأسلحة الفتاكة على الاطلاق، سلاح ذو حدين، والمستعمرون يستخدمونه بحرفية، ونتائج
ذلك كانت واضحة وجلية على العالم.
كيف يستغل المستعمرون العاطفة؟
مثالنا كان عن الهند، ومن اجل تحريك العاطفة فنحن نحتاج الى معرفة
جوهر الخلاف بين الشعب الهندي، وأقربه الى عاطفة كل شخص في الهند، وهو بالتأكيد
الاعتقاد الديني، اذ يتكون الشعب الهندي من تراكيب اجتماعية متنوعة قومية ودينية،
ولديهم الكثير من الديانات، ولكن أبرزها هم الهندوس والمسلمين، وهذا ما يحتاج اليه
المحتل، تحريك مشاعر الناس وعاطفتها نحو التعصب في الدفاع عن الدين، وهذا ما حصل
بالفعل في الهند، حرب داخلية واعمال عنف بين المدنيين، ومجازر كبيرة اختلطت فيها
دماء الهنود من المسلمين والهندوس وغيرهم، وهذا جعل الباكستان تنشق عن الهند لتستمر
الخلافات حتى هذه اللحظة مع صراع مستعر على كشمير الحدودية.
وفي العراق الحال يتكرر ولكن بشكل مفصّل أكثر، فالعراقيون عاطفيون
ومتقلبون جداً، ولهذا هم يتأثرون بأي جو عاطفي يمر بهم، فهم قوميون عندما نتحدث عن
القومية، ومتدينون عندما نتكلم عن الدين، ومتحزبون عندما نتحدث عن الأحزاب،
وعشائريون عندما نتحدث عن العشيرة، ولهذا من السهل جداً إيجاد ثغرة عاطفية والمرور
من خلالها، وهكذا حصل في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حيث ان القومية والميول
الى تمييز القومية أدى الى نشوب حرب بين العرب والاكراد، وازهقت آلاف الضحايا واستمرت
المجازر القومية حتى ثمانينيات القرن الماضي في مجزرة حلبجة، واستمرت الفكرة
القومية حتى عند دخول داعش للعراق، حيث نالت القومية الايزيدية حصتها من العذاب في
مجزرة ليست الأولى لهم انتهى بهم الحال بين قتيل ومشرد، كل ذلك ناتج بسبب وجود
مدارس واعلام يحرك النزعة القومية والتي تمول من الدول المستعمرة، وهي التي اثرت وما
زالت تؤثر على عاطفة الشعب.
وهناك ايضاً عاطفة الدين، وعاطفة المذهب، وبها قد انجر الشعب الى
الاقتتال الطائفي بعد عام 2003، فالأرضية تهيأت بشكل جيد وتم تحريك عواطف الناس
نحو المذهبية، وبمساعدة بعض المجرمين والقتلة الذين أشعلوا نار الفتنة من خلال
القتل على الهوية وغيرها، ليكمل الناس ما بدأه هؤلاء المجرمون، وهو ما قادنا للوصول
الى نقطة الانهزام وضياع المستقبل، وما زلنا ندفع ثمن هذه الحقبة الزمنية لأننا حكّمنا
العاطفة لا العقل.
ومع شعور الناس بخطورة الخطاب الطائفي فانهم أصبحوا يمقتونه ولا
يتقبلونه ابداً، وهذا كان سبباً في محاولة إيجاد موضوع جديد مشتق من نفس الفكرة
الدينية والقومية معاً، فكان موضع الخلاف الجديد هو الولائية، فقسم العراق الى
فريقين غير السنة والشيعة، او العرب والاكراد، بل قسموا الى فريق يوالي إيران
وفريق يوالي أمريكا، وهو الصراع الحالي الذي يحتل الساحة، ولا نعلم كم من الدماء
نحتاج لكي نستوعب خطأ افعالنا وتحركاتنا العاطفية، كما أدركناها في صراعنا الطائفي.
العاطفة لها مكانها المناسب في حدودها المناسبة ولكنها عندما تصبح بديلاً
عن الفكر والعقل تصبح عدو مبين، يكشر انيابه ليفترسنا من الداخل ويرضي بذلك
اعدائنا الحقيقيون، فالعقل ما يميزنا عن كل المخلوقات في هذا الكون، نمتلك العقل
والعاطفة والغريزة، وهذه لا تجتمع سوى عند الانسان، ولكننا بكل سهولة نتخلى عن
عقولنا، وتحركنا اهوائنا وعاطفتنا، ولهذا تجدنا ننقاد خلف كلام الاعلام ومحطات
الفتنة، ونتحول بإرادتنا الى مشاريع تخدم المستعمر والمحتل.
العاطفة، العميل الأفضل للمستعمر
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "العاطفة، العميل الأفضل للمستعمر"
إرسال تعليق