حلم يرتدي ملابس كابوس
أشعل شمعة، وامسك كوب الشاي، واهمَّ ان يجلب اليه كتاب الاقتصاد، ولكنه ارجع ظهره قليلاً قبل ان يمد يده الى الطاولة، شعر بانه بحاجة الى ان يجعل رأسه يتدلى من خلف الوسادة، مرت لحظات على ذلك، حينما طَرق أحدهم الباب عليه في منتصف الليل البارد.
فتح الباب، وجد طفلاً وضعوه في مهدٍ ممزق، ومعه حجرٌ ثمين، كان شكله غريب ومميز، ومعه رسالة في داخلها رسالة، وصرة اموال، كانت الرسالة تبث عطراً جميلاً، وكانت اوراقها مبللة بالدموع، ادخل الطفل واقترب من الشمعة، وقرأ الرسالة الاولى.
الرسالة الأولى
“شكراً لك على صنيعك مقدماً، وكل ما اتمناه ان ترعى ولدي، وتحتفظ بالحجرة الكريمة، وانا اعدك أنك لن تشعر بالفقر، فقط اهتم بابني حتى يبلغ العشرين عاماً، وسلمه الحجرة والرسالة الاخرى”
وهكذا مرت الأعوام، وهو يعيش في نعيم، كانت كلَ يومٍ تُرمى في غرفته صرة أموال، كانت تكفيه وتكفي الطفل، حتى بلغ الولد المجهول العشرين عاماً، وهنا سرد القصة لهذا الشاب، واعطاه الحجرة الثمينة، وسلمه الرسالة الاخرى، فلما قرأها قرر الرحيل بحثاً عن سر وجوده.
غاب اياماً واسابيع، حتى طُرق الباب مرةً أخرى في منتصف الليل، لقد كانت عربةً فخمةً جاءت لتأخذه، الى قصرٍ كبير، هناك وجد الشاب الذي رباه، لقد كان وريثاً لاحد الامراء، ابعدته امه عن الانظار حتى لا يقتل وتسرق ثروته الكبيرة.
اشترط الشاب على امه ان تبقيه الى قربه، حتى أتمنه على جميع اسراره وامواله، فتخلى الرجل عن غرفته الصغيرة، ذات الباب والشباك الواحد، لم تكن سوى خربة، وأصبح اليوم يسكن القصور، ويمتلك الأراضي والبيوت الفخمة والفاخرة بفضل تربيته لهذا المولود المبارك.
تحول المربي لعدو
لمعان الذهب، اغرى عيني صديقنا الفقير، وبعض حاشية الأمير الشاب كانوا يلعبون دور الشيطان الماكر، جمال احدى المقربات من الام، سلب عقله وتفكيره، وتحول من مربي فاضل، الى عدوٍ يحوك المؤامرات، ويدس السم بالعسل، كان قد أصبح عبداً مطيعاً لتلك الشقراء.
حتى ذات يوم وبعد ان سرق الكثير من الأموال، وصنع للشاب الأمير الكثير من المشاكل، واشعره بالحزن مراراً وتكراراً، وأفقده الامل، وجعله يرتكب الأخطاء ويطرد أقرب الناس اليه، ويشك ويظن بالآخرين سوءً، واوقعه في شرك الفتنة، ولكن شاءت الصدفة ان تفضح كل هذه الخطط.
سمع الشاب كل كلام مربيه مع تلك الشقراء الخبيثة، وعلم انه كان في مصيدتهما، لم يتمالك نفسه، شعر بالخنجر المسموم، لقد كان من أقرب الناس اليه، واكثرهم حباً الى قلبه، لكن كل شيءٍ جميل قد مات، فلم تعد الايام الجميلة في الغرفة الصغيرة تؤثر على قراره الذي سيتخذه.
كما جاء به في الليل، اخرجه من منزله بالليل، وكما جاء بلا أموال ولا أملاك، اخرجه ايضاً، صفر اليدين، لا يمتلك الا تلك الغرفة القديمة، عاد اليها خائباً قد خسر كل شيء، تعب العشرين عاماً من التربية، وقلب الشاب الذي تعلق به واعتبره مثل ابيه او أكثر.
عودة المربي فقيرا
وجد كل ما تركه في تلك الليلة في مكانه، أشعل الشمعة، ومسك كوب الشاي، واهم ان يجلب اليه كتاب الاقتصاد، ولكنه ارجع ظهره قليلاً قبل ان يمد يده الى الطاولة، شعر بانه بحاجة الى ان يجعل رأسه يتدلى من خلف الوسادة، لتمطر بغزارة ويستيقظ من غفوته على صوت الرعد، ليجد نفسه كان في حلمٍ اشبه بالكابوس.
وارتشف رشفة من كوب الشاي، وهو يفكر بالحلم، وأغمض عينيه قليلاً، وطُرق الباب، ومن ذا يطرق الباب على رجلٍ فقير يسكن غرفة ببابٍ وشباكٍ واحد في منتصف الليل البارد؟ فتح الباب فوجد طفلاً وضعوه في مهدٍ ممزق..
وتكررت القصة
من جديد، واستيقظ مرة أخرى على صوت الرعد، وهو نادمٌ على ما قد فعله في الحلم، وهكذا تكررت الاحداث، لم يتعلم من أحلامه ابداً، حتى كانت غفوته الأخيرة، حيث عاد الكرة، ولكن هذه المرة، كان الشاب قد ملَّ من تكرار نفس العقوبة معه، لذا قرر ان لا يعود بمربيه الى غرفته العفنة، بل ينقله الى مثواه الأخير، ليضعه في تابوتٍ خشبي، ويدفنه حياً، وينهي هذا الحلم الذي يرتدي ملابس الكابوس الى الابد.
الفرصة لا تعود مرتين الا لمن كان محظوظاً، لذلك استغل الفرصة، ان عادت اليك، صحح ما أخطأت به في تجربتك الأولى، اترك غرورك وعنادك، حاول ان تعيد الكرة دون ان يتلاعب بك الشيطان، حاول ان تصبح أفضل، حاول ان تكون الرابح إذا حالفك الحظ، وكن مع الله يكن الله معك.
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد