متى تشرق الشمس؟
بين الصخرتين
جلس يحتضن رجليه، وهو يضمهما إلى صدره، وقد حشر نفسه بين صخرتين، وغطى رأسه بخرقة، يحاول أن يتجنب ذلك الجانّ الذي يجول في ذهنه، مقنعاً نفسه أن لا يترك ظهره للفراغ، حتى لا يدخل الجنيّ إلى داخله ويتلبس به. كانت الظلمة سيدة الموقف، والهواء القادم من فوق ومن الأسفل، كان يحمل رائحةً نتنة، والرطوبة ارتفعت في تلك اللحظات، والغريب الخائف بين الصخرتين.
أخذ يتصبب عرقاً، وهو لا يستطيع التنفس، إذ لا هواء في الشهيق، فقط رطوبة ورائحة عفنة وقليل من الأوكسجين، لذلك فتح فاه، وباعد بين شفتيه الذابلتين، وهو يحرك بهما كسمكة أخرجت من الماء، تصارع الموت، علّها تستطيع أن تطيل عمرها ولو ثانية. وكان زفيره حاراً، كزفير تنين عليل، ولكن من غير نار أو لهب، فقط حار، كنسيم هواء مرّ من جانب تنور قد أكل عليه الزمان وشرب، وهو يتبعها بقحة خجولة، يدور صداها بالقرب منه.
هكذا زاد خوفه من جنيّه العنيد، وأصبح لابد من أن يتخذ إجراءه الاحترازي الأكثر أمناً، فأغمض عينيه، حتى لا يراه العفريت المتمرد، شعر بالعطش، وأنه قد طبخ كبيضة في ماءٍ حار، إنه يقبع في المجهول، لا يعرف كيف ينجو، أو كم سيعيش، جال في باله سؤال وحيد، متى ستشرق الشمس؟.
ازدياد الحر والجوع والألم
مرت على حاله ساعات طويلة، وهو لم يحرك ساكناً أبداً، ولكن الجوع شجعه على أن يحرك يديه، ليتلمس في وسط السواد، عسى أن يجد ما يأكله، كانت الصخرة قد تحولت إلى ملمس دهني، وما زالت تحافظ على كسرات جسمها الحادة، ولكن في مكان من تلك الصخرة، توقفت أنامل الغريب، تتحسس زغباً او ريشاً، فيه لزوجة، حرّكه بسبابته يميناً وشمالاً، كان أشبه بالعشب، فاقتطع منه قليلاً وقربه إلى فمه، والتهمه دون تردد.
شعر بالحر، شعر بأن الصخرتين انقلبتا إلى بركان، أصبحتا تلسعانه كأفعى لا صديق لها ولا حميم، وهو يتقلص بينهما يفرّ من حرارة هذه إلى حرارة تلك، ورغم كل ذلك لم يفتح عينيه، ولم يرفع الغطاء عن وجهه، لأنه ما زال يخشى الجني الملعون، الذي يترصد الزلة والهفوة والكبوة.
طال الأمر وأغمي عليه، أفاق وقد نسي أن العفريت يلاحقه، ففتح عينيه، ووجد نفسه بين الصخرتين، وجفنيه قد غطاهما الرمد، حينها فركهما بقوة، وهو يشاهد الشفق الأحمر في الأفق، يتسارع مع الليل، فما كان منه إلا أن يدور برأسه إلى الخلف، ليشاهد الشمس وهي تودع الصخرتين وداع المنتظر إلى الغد، وهنا علم بأنه كان ينتظر شروق الشمس، والشمس كانت مشرقة، ولكن خوفه من الجان والعفاريت منعه من أن يرى الشمس التي أحرقته بأشعتها.
الخيال والخوف من البعبع والهرب من الواقع واللجوء إلى من يحتاج الى ملجأ، لن يوصل إلى نتيجة أبداً وسيبقي صاحبه هائما، لا سماء تغطيه ولا أرض تؤويه. والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد