كن مكانهم ثم قل ما تريد
ما أن تخرج على الساحة مغنية أو راقصة تبدأ صيحات المؤيدين واللاعنين تتعالى وهم يشحذون الهمم بين مدافع ومهاجم، ويتكلمون بالدين والحرية والمدنية، وتصبح قضيتها قضية رأي عام ويصاحب ذلك الكثير من السب واللعن وتتطور الأحوال إلى حرب بين الدين والتيارات المدنية.
أنت أيها المتدين او المتكلم بلسان الدين، وأنت أيها المتحرر والمتكلم بلسان التيار المدني، لو ولدتما في الصين لأبوين بوذيين هل كنتما ستكونان كما أنتما الآن أحدكما من التيار الديني والآخر من التيار المعارض له؟ هل فكرتما معًا أن تلك الراقصة أو الفنانة أو المغنية هي وليدة ظرف مرت به جعلها ما هي عليه؟
تصور ابنتك بعمر الستة سنوات والتي تحاول أن تربيها على منهاج ديني معتدل قد ضاعت منك ولقفتها يد بيتٍ ديني متشدد، فماذا سيعلمونها وماذا ستتعلم منهم إلا التشدد والتكفير والعداء والبغض والكراهية، بل تصورها وقد أخذتها أحضان بيتٍ عاهرٍ فماذا ستتعلم منهم إلا الانحلال والانحطاط والرذيلة والدعارة، وماذا لو وجدت نفسها في قبوٍ لمنتشين ومتعاطي المخدرات فهل ستتعلم منهم الإخلاص للوطن وحب الأسرة أم ستتحول إلى منتشية مثلهم؟
قبل أن تتهم غيرك وتهاجمه أو تدافع عنه اعرف ظرفه، لم نختر آباءنا ولا الأرض التي ولدنا فيها ولا طبقتنا الاجتماعية، كل شيء جاء من غير إرادتنا، لذلك إن ولدنا في مجتمع فاسد وفسدنا معه فنحن بحاجة إلى من ينصحنا بالكلمة الطيبة لا من يتهمنا ويجعلنا من حطب جهنم، تقبل الآخرين هو من يرفع الحواجز ويقرب الإنسان للاستماع إلى صوت الإنسان المتعاطف المحترم.
دفاعك عن أحدهم أو اتهامك له أحيانًا يكون شرًا له وخطرًا، عليه لأنك بذلك تميت الفرصة في أن يستعيد حياته التي فقدها بسبب نشأته الخاطئة، وفي الواقع نحن لنا الحق في الانتقاد عندما نؤدي واجبنا الحقيقي بوصفنا متدينين أو من تيارات حرة ومدنية تجاه الأطفال الذين يعانون من حياتهم التعيسة، وانتشالهم من الأماكن الموبوءة وإعطائهم التعليم الضروري وتوفير سبل العيش المحترمة لهم دون أن يتم تجنيدهم إلى أن يكونوا في خدمة تياراتنا التي نحن عليها.
هل جعت وتعريت وأهنت وأنت صغير؟ عندما تعيش في مثل هذه الظروف الصعبة فلا بد أن تظهر مساوئ ذلك على شخصيتك عندما تكبر، ولن يستطيع الصياح أبدًا تخليصك من مشاكلك التي وجدت نفسك غارقًا فيها، لذلك إن كنت تريد مساعدة نفسك ساعد غيرك وخذ بيدهم بدلًا عن رمي الاتهامات وبلايا العقد النفسية عليهم.
لماذا لا نعلم أطفالنا حب الناس؟ ليس حب الناس صفة قبيحة، بل هي صفة إنسانية جميلة، لماذا لا نعلمهم حب المساعدة والعطاء والمسامحة والفضيلة والصدق وحب الوطن؟ إنها ليست حكرًا على فكرٍ دون غيره، وما الضرر إن كبر الفتيان والفتيات على هذه الأخلاق الإنسانية النبيلة وهم مختلفون في الدين والعقيدة والمذهب؟ لماذا نخلط الأوراق دائمًا وأبدًا ولا نستطيع أن نتعايش بوصفنا بشرًا دون الاهتمام بروابط الشخص بربه؟ لم أعد مهتمًا لأي مذهب ينتمي ذلك الشخص الذي يقدم لي المساعدة وأنا بأمس الحاجة إليها، ما دام يراني إنسانًا فأنا أراه كذلك.
ما أريد الوصول إليه هو وقبل أن تنطق بكلمة تتهم فيها أحدًا بالفساد اعرف ماضيه وعش حياته التي عاشها بحلوها ومرها واشعر بالأيدي التي تمسح على جسمك الناعم وهي تبتغي إرضاء شهواتها وأطماعها فيك، بعد ذلك وأنت بلا حول ولا قوة وموج المجتمع يرمي بك من شاطئٍ إلى آخر، هناك حد لسانك وتكلم بما تراه واقعًا، فليست كل الشخصيات هي وليدة الإرادة بل هي صنيعة الناس والمجتمع والظروف.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد