«إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»
في سورة الكوثر المباركة يذكر تعالى شأنه ثلاثة أمور، وأول هذه الأمور الثلاثة هي أنه قد أعطى لنبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الكوثر، ومن أجله فإنه قد امره أن يصلي لله وأن ينحر، وبعد ذلك يجبر خاطره فيعده بأن عدوه هو منقطع الذكر والنسل (الأبتر).
عندما نرجع إلى تفاسير المسلمين فإنهم يشيرون إلى أن الكوثر هو نهر في الجنة قد أعطاه الله تعالى لنبينا الحبيب، ومن أجل هذه العطية الكبيرة فإنه أمره بالصلاة والنحر، ولكن في آخر السورة يذكر تعالى إن شانئك يا محمد هو من انقطع نسله وذكره بين الناس لا أنت، فهل نهر الكوثر يعوض النبي عن الامتداد الطبيعي وبقاء نسله وذكره بين الناس؟ وهل سيد الخلائق محتاج إمام عظمة الجنة وما فيها من النعيم وهي بين يديه بأمر الله تعالى إلى نهر من أجل أن يجبر فؤاده عوضًا عن أبنائه الذين ماتوا صغارًا؟
قد يكون الكوثر نهرًا في الجنة فماذا يصنع النبي بالنهر وأعداؤه يشمتون به لأنه بلا نسل وبلا ذرية تحمل اسمه بعد وفاته أو كما قالوا عنه (ابتر)، أضف إلى ذلك أن نهرًا واحدًا ليس بالمستوى والعظمة التي تجعل الله يأمره بالصلاة والنحر من أجله، فقد أعطاه ما هو أكبر من النهر فجعله سيد الكون، فليس من المعقول أن من يملك الجنة برمتها لا يملك جزءًا منها وهو هذا النهر المسمى بالكوثر.
لابد أن يكون الكوثر هو تعويض للنبي الاكرم عن الأبناء الذين فقدهم ولابد أن يكون هو سبب ليستمر ذكره بين الناس من خلال ذرية تخرج من صلبه وتحمل اسمه، ليكون بذلك ليس ابترًا كما يقولون، بل ويجعل جميع مبغضيه ومن يكرهه هم منقطعو الذرية والذكر والنسل، فما هو الكوثر إذًا؟
لقد أعطى الله تعالى للنبي الأكرم ما هو أعظم من جميع ما في الدنيا والاخرة من النعم والجنان، لقد وهبه الله تعالى بنتًا جعلها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وجعلها هي من يخلد ذكره ومنها ينتشر نسله على هذه المعمورة، إنها الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام، أم السبطين سيدي شباب أهل الجنة، واللذين منهما انتشرت على بقاع الأرض ذراريهما وهم يحملون اسم جدهم وشرف ذكره والانتساب له، ولعل سائل يسأل وكيف يرجع النسب إلى أب الأم؟ لقد ذكر الله تعالى انتساب عيسى عليه السلام إلى إبراهيم عليه السلام مع أن عيسى بلا أب وهو منتسب لأمه يقول تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وليس هذا فقط، بل أنت تستطيع ان تعرف أن كان أبناء وذرية الحسنين عليهما السلام من صلب النبي او لا من خلال تصور ان النبي قد بعث بين الناس، فهل يستطيع أن يتزوج من ابنة أحد أحفاد الحسنين؟ وهل يستطيع أن يتزوج من ابنة إحدى حفيدات الحسنين؟ بالطبع لا يمكنه أن يتزوج ممن هم من صلبه.
فالكوثر هي فاطمة حبيبة أبيها، وكما قال صلى الله عليه واله وسلم (فاطمة بضعة مني) وكما كان يسميها (أم أبيها)، وهي بذلك تستحق أن يصلي النبي لله شكرًا على هذه العطية وأن ينحر من أجلها فهي امتداده الطبيعي على هذه المعمورة.
وفي لقاء مع الدكتور علي جمعة مفتي جمهورية مصر السابق نشر على موقع اليوم السابع ورد ما نصه: «ومن خلال هؤلاء الثلاثة أصبحت ذريتهم تتراوح ما بين 30 إلى 40 مليون منتشرين في أرجاء الأرض وهم السادة الأشراف وآل البيت معروفين بالاسم ومسجل أسمائهم وصولًا إلى أجدادهم» وهو يتحدث عن الثلاثة أبناء الحسنين الذين سلموا من القتل بعد ملحمة كربلاء، وهذا العدد الهائل والمسجل من أبناء وأحفاد النبي الاكرم انما هو اثبات للقدرة الإلهية في ان يجبر قلب نبيه فلا يجعل منه أبتر، بل يجعل أعداءه هم من لا نسب لهم ولا عقب.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد