الصعب والأصعب
الصعب
من منا لم يخطئ من قبل؟ لابد أننا في حياتنا اليومية نرتكب حماقةً ما ونحن نشعر بأننا نفعل الصواب، أو أننا بذلك نتبع أهواء الطيش والغرور بالصحة والمال، أو نفعل ما يخالف القانون والشرع بحجة أننا سنتوب فيما بعد، بصراحة كلنا نقع في فعل الممنوعات والمحرمات صغيرها أو كبيرها على حدٍ سواء، لكن المشكلة الحقيقية هي أننا نعاني بعض الصعوبة في كبح جماح أنفسنا عن ارتكاب تلك الأفعال، وخاصة تلك التي تنبع عن الغضب والكره والغريزة، من الصعب جدًا أن تتعامل بهدوء في ساعات الغضب الهستيرية، ومن الصعب أن تغض النظر عن جمال امرأة قد كشفت مفاتنها بشكل لافت، ومن الصعب أن تقدم خدمة لشخص تعاديه دون أن تذله أو تتعبه، ومن الصعب أن تتنازل عن ملايين الدنانير من أجل أشخاص لا تعرفهم مطلقًا، هذا إذا استطعت أن تتنازل عنها لمن تحب.
إن مخالفة الهوى شيء صعب ولا يمكن التحكم به بسهولة، الا أن ترويض النفس وجرها نحو الاعتدال وعدم مخالفة منظومة القوانين الشرعية أو قوانين الدولة السائدة أو آراء المجتمع، قد ينتج حالة من حالات الوقاية ضد هذا المد، كل ما تحتاج إليه هو أن تكون واثقًا بقدرتك على كبح جماح نفسك الأمارة بالسوء.
عندما تنام دع ضميرك ونفسك اللوامة تتكلم، اتركها تنطق بما عجزت عن نطقه عندما ارتكبت المخالفات، اجعلها صوت الحق واستمع لها، إنها إن وبختك فلأنها تشعر بالحزن الشديد عليك، إنها تراقبك وأنت تدفع شيخًا مسكينًا لا حول له ولا قوة، وتتابع خطواتك وأنت تلتمس طريق السرقة والغش والبهتان، وتلاحظ ابتسامتك الشيطانية لأرملة وأم لأيتامٍ رماها الدهر لتطرق بابك وأنت تقايضها بشرفها من أجل بعض المساعدة أو المال، نفسك اللوامة تلاحظك وتتمنى لك أن تصحح ما أفسدته، فقط أعطها الفرصة للحديث، ولا تتهرب منها بالمسكرات أو المخدرات.
هذا الكلام بالطبع ليس موجهًا للوحوش الكاسرة والتي تتلذذ برؤية معاناة الناس وآلامهم، وإنما الفرصة سانحة لمن هو في طريقه للوصول إلى هذه الفئة من المجرمين والقتلة.
الأصعب
ما هو أصعب من كبح النفس عن ارتكاب المفاسد؟ إنها لحظة الاعتراف بالذنب، لحظة الوقوف أمام العالم لتقول إني أخطأت، كيف لك أن تقف هكذا وخيلاؤك وجبروتك يمنعانك من الانحناء للحق والحقيقة؟ كيف لك أن تعترف وأنت ترى نفسك فوق درجة العصمة؟ بل كيف ستعترف بذلك، وأنت تضع لنفسك الأعذار مرارًا وتكرارًا؟
التراجع عن فعل الخطأ يحتاج إلى عزيمة أكبر من تلك التي تكبح بها أهواءك المنحرفة، بل تحتاج إلى أساس تقف عليه يكون قويًا بما فيه الكفاية لحمل وزر العمل ودفع الحمل بعيدًا، فأنت ستقف أمام نفسك السيئة وضميرك الذي يحاول أن يتعافى، وأمام كل ما جنيته من مكاسب مهمة في حياتك من تلك الأفعال الخاطئة.
لا مفر من إعادة بناء أسس الاخلاق لديك، لأنها أول مصادر القوة في مواجهة الإغواء والإغراءات، ولابد لهذه الأخلاق أن تستمد صلابتها من مقلع يزودها بالرمل، والحجارة، والحديد، والإسمنت تخلو مكوناته من الشوائب، ولا مقلع أفضل من سيرة شخص يصلح أن يكون قدوة، ولا قدوة أفضل من النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومنه تستطيع أن تتعلم أن تبني أساسًا آخر يقوي بنيانك أمام جميع مغريات الدنيا، عندما تؤمن وتعتقد أن الله يراك حينها ستشعر أن كاميرات المراقبة وعيون الأجهزة الأمنية لا شيء أمام عين الله الناظرة والمراقبة، سترى حجمك الحقيقي، بالرغم مما لديك من إمكانات، وأنت ضعيف أمام فيروس صغير قد مرغ أنفك في التراب، وسلبك ذلك المجد والعظمة والجبروت، لتجد نفسك لا شيء بدون الله تعالى.
حارب في مرحلة الصعب قبل أن تصل إلى مرحلة الأصعب ويصبح حين ذلك الحمل أثقل ونسب النجاح أقل.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد