الاستخبارات في القران الكريم
لو تمعنت في القران الكريم لوجدت ان هناك آيات شريفة تتحدث عن أهمية القوة الاستخباراتية وتشكيلاتها وعيونها الاستطلاعية، ومن خلال متابعة هذه الآيات، نجد ان الهيكلية العامة لأي جهاز استخباراتي يتكون من أربعة مفاصل مهمة وهي:
1. رئيس الجهاز:
ودائماً ما يرتبط الجهاز بشكل مباشر بأعلى الهرم في الدولة، كرئيس الوزراء او الجمهورية او الملك وغيره من أصحاب السلطة العليا في الدولة.
2. قوة الاستطلاع:
وهي القوة المسؤولة عن التجسس واكتشاف مناطق العدو والتوغل في عمق اراضيه، ووظيفتها الرئيسة هي إعطاء المعلومات الدقيقة عن العدو لتسهيل مهمة الدفاع عن النفس عند حصول أي اعتداء منه.
3. قوة الاختراق:
وهي قوة وظيفتها زرع عناصر ضمن تشكيلات العدو تقوم بأخذ المعلومات المهمة عنه والتي تعد معلومات سرية تكشف عمق العدو واسراره العسكرية، وتؤثر ايضاً من خلال تدخلها في الشؤون الداخلية للعدو من التأثير على قراراته.
4. قوة الحماية والمداهمة:
وهي قوة المهمات الخاصة، طبيعة عملها تجعلها تكون مصدراً للحماية والتحذير من اقتراب الخطر، وايضاً تكون هي اليد الضاربة عند تأكيد المعلومات الاستخباراتية حول العدو.
هذه المكونات الرئيسة لجهاز الاستخبارات في أي دولة، موجودة في آيات القران الكريم، ولكننا نبتعد عن المهنية في تحليل الآيات، ونتمسك بالقشور، واليكم الدلالات القرآنية التي توضح هذه التشكيلات ولكن سأتطرق اليها تصاعدياً (من الأسفل الى الأعلى):
قوة الحماية والمداهمة:
((حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ))، النملة تمثل قوة الحماية والتي مهمتها إعطاء التحذير قبل وقوع الخطر، مع رفع تقرير بالخطر، هذا التقرير يكون قصير، وواضح، ويبين السبب من التحذير، ونوع الخطر، من غير كلام طويل، وسرد قصصي، ومن الآية الكريمة نجد ان النملة أعطت التقرير بشكل حيادي، حيث أوردت (وهم لا يشعرون)، وهذا يدل على أهمية تحلي رجل الاستخبارات بالمصداقية وعدم الانحياز، فالانحياز يسبب خللاً في دقة التقارير وهذا بدوره يؤثر سلباً على الموقف الواجب اتخاذه كردة فعل.
((قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ))، وهنا يظهر ان سليمان ع بعد ان تأكد من صحة المعلومات الواردة اليه عن سبأ، أراد ان يوجه ضربة استباقية من خلال قوة المداهمة الخاصة، والتي تبين ان هذه القوة كلما كانت سريعة ودقيقة فإنها ستترك الطرف الاخر في حيرة وارتباك وتأثر، كان الهدف من نقل عرش بلقيس هو اظهار قوة وقدرة سليمان ع في السيطرة على الخصم استخباراتياً، وجلب اثمن ما لديهم من دون علمهم، ومن اجل تحقيق هذا المبتغى لابد من استخدام اشخاص يمتلكون الموهبة مع العلم، يخوضون تدريبات كثيرة من اجل ان يتأهلوا لتحقيق هذه الضربات بسرعة عالية وبدقة متناهية وباقل خسائر.
قوة الاختراق:
((وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ))، مؤمن فرعون، رجل يكتم ايمانه، يسكن البلاط، يسمع الاسرار، ويحضر في مواطن القرار، انه الشخص المناسب لوصفه بانه عنصر الاختراق المثالي، حيث من خلال مكانته بين عناصر الدولة، ومن خلال اطلاعه على الاسرار والخطط، فان مهمته لا تقتصر على نقل البيانات والتحذير، وانما تتعدى الى التأثير في القرارات لصالح أصحابه قدر المستطاع، ولو اطلعنا على الآية الثانية فإننا سنجد أهمية وجود هذه القوة ضمن بنية المؤسسة الاستخباراتية،((وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ))، فهذا الرجل من خلال اطلاعه على المعلومات التي تسربت من البلاط الفرعوني، اكد لموسى ع وجوب المغادرة من مصر، من خلال رفعه لتقرير موجز واضح، يبين فيه الحالة ونوع الخطر والعلاج، ولا نجد من خلال تقريره المصدر، مما يبين على أهمية التكتم والسرية في العمل الاستخباراتي، وان يكون رجل الاستخبارات هو الجندي المجهول في مهامه وحياته.
قوة الاستطلاع:
((فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ))، الهدهد، عنصر الاستطلاع، والذي يرفع لسليمان ع تقريراً مفصلاً عن سبأ وملكتها وقومها، تقرير بين فيه نوع الخطر والقوة وكشف عن مقر القيادة والمسؤولية، كان تقريراً نموذجياً، وفي واقع الأجهزة الاستخباراتية، كلما كان التقرير التفصيلي دسم، كانت الخطوات الاحترازية اكثر دقة، ولكن ولأسباب استخباراتية وحس امني، على رئيس الجهاز الاستخباراتي الوقوف على صحة ودقة التقارير المرفوعة اليه، وذلك لعدة أسباب، منها التأكد من عنصره الاستخباراتي وانه ليس عميل مزدوج او قليل الخبرة، وايضاً معرفة اذا ما كانت هذه خدعة من العدو لإيهام القوة الاستطلاعية واشغالها بمعلومات كاذبة، ولذلك يحتاج جميع عناصر القوة الاستطلاعية الى رفد تقاريرهم بالإثباتات الممكنة، كالصور والمستندات والعينات وغيرها.
رئيس الجهاز:
((إنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ))، صاحب السلطة العليا، وصاحب الكلمة الفاصلة، هو رئيس الجهاز والمتحكم به، وذلك لأهميته واهمية المعلومات التي ترد منه، حيث لا يمكن للجهاز الاستخباراتي من النجاح ان كان تحت انظار الوزراء ورجالات الدولة، وذلك لعدة أسباب، منها ما يتعلق بالولاء وإمكانية بيع الذمم للعدو، ومنها ما يتعلق بحب الظهور والثرثرة بأسرار الدولة لإظهار أهميته امام الاخرين، ومنها ما يتعلق بالجهل وعدم امتلاك الحكمة في التحكم بردود الفعل، وكيفية تذليل الصعوبات والمخاطر.
اليوم نجد ان هذا الجهاز قد تطور، وأصبح منقسماً الى عدة تشكيلات، فظهرت تسمية الاستخبارات والتي تعنى بالجانب العسكري، والمخابرات وتعنى بالجانب المدني داخل وخارج حدود الدولة، وظهر ايضاً جهاز الامن الوطني وهو مسؤول عن امن الدولة الداخلي، وجهاز الامن القومي وهو مسؤول عن الامن الخارجي للدولة ودراسة دول المحيط.
كل هذه الأجهزة تطورت من خلال الدراسات والتجارب وخاصة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث سبب انتصار أي دولة هو زخم ودقة البيانات والمعلومات التي تجمع عن باقي الدول، ليس في الجانب العسكري فقط، بل في جميع الجوانب ولاسيما استخدام هذه الدول لوسائل التواصل الاجتماعي والتي أصبحت مصدراً سريعاً ومجاني لمعرفة أسعار المنتجات والقوة الشرائية والحالة الاجتماعية والاحتياجات اليومية وغير ذلك الكثير، وبذلك أصبحت الدول تسيطر على قوى الدول الأخرى صناعياً وتجارياً وزراعياً بعدما كانت تعتمد السيطرة بقوة الجيش والسلاح، وما كانت لتنجح هذه الدول لولا أجهزة الاستخبارات بكافة تنوعاتها وتصنيفاتها، والتي عملت بجهد لصالح بلدانها للارتقاء بواقعها والسيطرة لفرض النفوذ على الدول الأخرى.
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "الاستخبارات في القران الكريم"
إرسال تعليق