لقد كفرت بها
استقبال الإبن
كالعادة، عندما دخل الولد الى البيت، وبمجرد ان رمى الحقيبة ارضاً، سألته امه السؤال المعتاد، “كيف كان يومك؟”، هذا السؤال المستفز، والذي كان يسهل الإجابة عليه في كل الأيام، الا هذا اليوم، حيث لا مجال لصياغة الإجابة المنمقة، ولا تكون الإجابة الا بصرخة، “كان يومي اسود، اسود، اسود، كالإسفلت”.
الاب المتقاعد في كل مرة يسمع نفس الإجابة في نفس اليوم من كل أسبوع، ولكنه لا يحاول ان يتدخل بين الولد وأمه، ولكنه هذه المرة أحب ان يتدخل، لأنه رأى انفعالاً ليس على غرار الانفعالات الأخرى، كان انفعالاً جنونياً جداً، فتقدم الى ابنه وربت على كتفه بهدوء وقال له:
– ما بالك يا بني؟ اليوم انت على غير عادتك متوتر ٌ بشكلٍ ملحوظ، واجابتك كانت بصوتٍ مرتفعٍ، حتى إنك اخفت أمك.
سكت الولد وغادر المنزل بسرعة، لم يحاولا إيقافه، تركاه قليلاً، وبعد سويعات عاد من جديد، وفي جعبته إجابات كشجرة الصبار، مملوءة بالأشواك، كان يحملها على مضض، ولكنه شعر اخيراً بانه لابد له من البوح بها، فدخل الى صالة المنزل حيث وجد ابويه وأخيه الكبير، وهم يتفرجون الاخبار من على التلفاز، وقال:
– انا احتقرها، بل أكرهها، ولا أؤمن بها، انها كذبة تريدونني ان اقتنع بها، انها خدعة فقط حتى تستغلون بها الطلبة، وتستفيدون منها دروساً خصوصية، الكيمياء لا أصل لها ولا فصل.
كان النقاش بعدها يدور عن السبب الذي دعاه للتوصل الى هذه القناعة، حيث انه قد كفر صراحةً بالكيمياء، وبكل من يدعي علماً بها، او يرتبط اسمه بها، هو لم يعد يؤمن بشكل مطلق، ولا يمكن لأي دليل ان يغير من قناعاته.
سبب غضب الإبن
تبين ان السبب كان في مدرس المادة، حيث انه لا يعلمهم الكيمياء حسب المنهاج العلمي الصحيح، وانما اقتطع والّف وجمع كتيب جعله منهاج للطلبة، كان يميز بينهم لا على أساس التفوق، بل على المزاجية والانتماء، كان يعلمهم شيء ويمتحنهم في شيء آخر، وعندما حاولوا التواصل مع غيره، اظهر لهم وجهاً متوحشاً، فضلّوا في حيرة من امرهم، حيث الكيمياء مادة أساسية، ولكنهم لا يحبون دراستها.
وعندما جاءتهم الفرصة وجدوا ان هناك كيمياء تختلف عن كيمياء استاذهم، وان هناك أكثر من كيمياء، وكل واحدة تختلف عن الأخرى، وهنا زاد النفور منها، فأصبحوا لا يعرفون أي كيمياء هي الاصح، ولكونها أصبحت صعبة، كانوا لا ينجحون الا بالمدرس الخصوصي.
هنا شعروا بأنهم مستغلون من قبل أساتذة الكيمياء، وان باقي الأساتذة ساكتون لأنهم مستفيدون بالنتيجة، فتشارك المصالح قد جمعهم في جبهة واحدة، لهذا قرر الطلبة ان يكفروا بالكيمياء، جملةً وتفصيلاً.
تبسم الاب بعد ان عرف الأسباب، وهو ينظر الى ابنه الأكبر، الذي كان يدافع عن الكيمياء، بحماسٍ واندفاع، ويقول لأخيه الأصغر:
– لا تحكم على الكيمياء بسبب بعض المدرسين والأساتذة الذين عمتهم المادة وحب الذات، فاستغلوا مكانتهم ليكتسبوا من هذا العلم بعض المال بطرقٍ ملتوية، لا تكفر بالكيمياء، فهي علمٌ راقٍ، ولكن اكفر بمن يدّعون علماً بها وهم جاهلون، حاول ان تميز بين الكيمياء والكيميائيين والمتكميئين، وانظر من حولك ستجد ان الكيمياء حاضرة في حياتنا اليومية.
الكيمياء مظلومة مثل الدين
ابتسامة الاب الغريبة، جذبت انتباه ابنيه، فأحس الاب انهما يريدان ان يعرفا سر هذه الابتسامة الطويلة، كانت هذه الابتسامة سهماً موجهاً الى ابنه الأكبر، كانت رسالة خفية، ولكنها احتاجت الى بعض الكلمات ليفهمها بوضوح، فقال بصوتٍ هادئ وبسكونٍ تام:
– كذلك الدين يا بني، كالكيمياء، ليس له ذنب لتكفر به، فهو مظلوم كما ظُلمت الكيمياء.
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد