ونمت زهرة
تراب الأرض
البارود والدخان غطى تراب الأرض الأسمر ولم يتبقى من الأشجار شيء، وهجرت حشرات الأرض والطيور بيوتها وارتحلت وهي تفر من الموت والدمار، على تلك الأرض دارت معارك طاحنة تطايرت فيها أشلاء الشبان، وناحت عليهم امهات وزوجات واخوات وبنات، نوح الآباء والاخوة والأصدقاء فتت صخر تلك الأرض القاسية، حتى وحوش الأرض بكتهم وهي تغض الطرف عن أجساد ضحت بأنفسها في سبيل تحرير الأرض.
نزف الشهيد
وعند سفح تلة نزف الشهيد قبل ان يشهق نفسه الأخير، وقد اخذ بيده بعضاً من تراب تلك الأرض الصلبة بصلابة الحجارة، ثم نظر الى يمينه مودعاً اهله واحبائه من بعيد وهو يتمتم بكلمات كانت رسالته الأخيرة الى امه “اماه آمل ان أكون قد بيضت وجهك، لأني لم اعد قادراً على التنفس، هذه اخر انفاسي فاعذريني ان كنت قصرت” ثم سكن بلا حراك وبقيت عينيه تلاحق كفه الذي حمل بعضاً من تراب الوطن.
دموع الحزن
خجلت الشمس حينها وتوارت خلف السحاب، ولم تستطع غيوم السماء ان تحبس دموعها فبكت بغزارة، فغسلته بماء عينيها ليشع من بين الأنقاض كزمردة خضراء تتساقط منها حبات ياقوت احمر، وسالت مع تلك الدموع دمائه لتدخل عمق الأرض وتنفذ من بين كومة الأحجار وحبات الرمل والتراب ومن ثم تستقر عند حبة يتيمة كانت تنتظر من يواسيها.
راية الشهيد
بعد عام او أكثر بقليل مرت من فوق نفس البقعة بعض الاليات والجنود ووقفوا عند ذلك السفح يستذكرون صديقهم الشهيد، فوجدوا هناك بعض الفراشات تحوم حول شيء قد شق الأرض واخرج طرفه للنور، اقتربوا منه فاذا بها زهرة قد نمت من بين الصعاب وشقت الأرض رغم رقتها، لتظهر للعلن بأوراقها البيضاء الناصعة وخضار ساقها الممشوق، وما ان أزهرت وفتحت اوراقها حتى بان ميسمها الأحمر، لترسم لوحة العشق مع ظلالها الأسود القاتم، كأنها علم يرفرف فخراً، يحمل نفس الوان راية الشهيد، سواد يقشع بلون النهار الأبيض الساطع، واشجار خضراء تتفتح باسم الله، ودماء الشهيد تغطي سماء الوطن لتعلم العالم معنى الشجاعة والوفاء.
الأمل
لقد نمت زهرة من بين كل الركام لتخبرنا عن ان الامل لم يذهب ادراج الرياح وان دماء الشهداء أكبر من ان تضيع سدىً، وانهم سيبقون سور الوطن الحارس، لأننا على يقين بأنهم ما زالوا على قيد الحياة ولكننا لا نشعر بهم، انهم الحماة وملهمي الأجيال، فتحية للشهداء الاحياء عند ربهم.
والحمد لله رب العالمين
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد