سنجيب داعي الله
يقول تعالى في محكم كتابه المجيد آية 31 من سورة الأحقاف: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. ومن آداب الإجابة أن تكون شاملة للطاعة والإقامة على أمر الله بالخضوع التام، وسنجد أن أفضل كلمة نستجيب بها لله ولداعيه أن نقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك يا داعي الله لبيك.
وهل في هذه التلبية شرك بالله؟
يقول البعض: إن التلبية لا تجوز إلا لله تعالى وحده، مع أن التلبية هي استجابة لدعوة ونداء، وهذه الدعوة في حقيقة الأمر صدرت من داعي الله يدعو فيها إلى طاعة الله والتزام أوامره والانتهاء عن معصيته والايمان به، ولكي أجيب الله علي أن أجيب داعيه، وبذلك فإن إجابة داعي الله بلبيك ليس فيها أي إشراك فهي من الكلمات العامة، والتي استخدمها الصحابة في إجابة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يعقل أن تكون التلبية لغير الله شرك، ويرضى بها رسول الله وهم يلبونه بها؟
إذا لم يكن في التلبية لغير الله شرك، فلماذا لم يزل البعض يعترض على قولنا لبيك يا رسول الله؟ ما هو وجه الاعتراض في اتباع منهاج الصحابة وهم يطيعون الله بإطاعتهم لرسوله؟ لماذا هناك تحسس من موضوع التلبية إن كان لرسول الله او لغيره من أولياء الله الصالحين والذين ينطبق عليهم أنهم دعاة الله؟ وهنا تحولت التهمة من شرك إلى وضعهم لضوابط تجعل من التلبية مخالفة واضحة وصريحة، وهذه الضوابط هي أن تكون التلبية للحي لا للميت.
لا يجوز تلبية الميت
عن أي ميت يتحدثون بالضبط؟ في معتقدنا كمسلمين أن هناك نموذجين للموتى، أولهما ميت بلا استثناء وهم عامة البشر، وثانيهما ميت باستثناء وهم الشهداء والذين يقول الله عنهم في كتابه بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، لا بل وتقدمت الآية الكريمة قوله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، بل أكثر من ذلك اذ جاء النهي بان نقول عنهم بأنهم اموات في قوله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ، فكل من قتل في سبيل الله تعالى بالنسبة لنا يجب أن نعتقد بأنه حي، ولكننا لا نشعر به امتثالًا لأمر الله تعالى «وَلَا تَقُولُوا»، فلو قلنا: لبيك يا حمزة يا عم الرسول فهل في ذلك مشكلة كونه ميتًا ولا تجوز مناداته؟ سنقول إنه ليس بميت لأنه قتل في سبيل الله، ومن يقتل في سبيل الله نهانا الله عن أن نقول عنه ميت، بل حي يرزق عنده تعالى، ولكننا لا نشعر بذلك، وعندما يكون الحمزة حي فلا يوجد في تلبيتنا له أي مخالفة لقواعدكم التي وضعتموها.
ولماذا نلبي غير الله؟
لأن الله يريد منا ان نجيب دعاته، ومن هم دعاته؟ أليس الأنبياء والرسل والأوصياء والصالحون والشهداء الذين قتلوا في سبيله هم دعاة الله، والذين أفنوا حياتهم وهم يدعون الناس إلى الله وإلى دينه؟ فإن كانوا هم دعاة الله فنحن سنجيبهم ونلبي دعوتهم، فلو سمعت احدًا ينقل عن رسول الله حديث يقول فيه «إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث» وقلت مجيبًا لداعي الله، لبيك يا رسول الله، فاين المشكلة العظيمة في ذلك؟ سيقول الجاهل بان رسول الله مات وهو لم يقتل في سبيل الله وهنا لا تنطبق عليه انه حي ولا يجوز تلبيته، بينما هو نفسه يسلم عليه في صلاته بقوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، فهل تمنع تلبية الميت وأنت تسلم عليه؟ وما فائدة السلام عليه إن كان غير قادر على رد هذا السلام والاستماع له؟ وهل ستقول إنه يرى أعمالنا وسيشهد عليها يوم القيامة كما قال تعالى «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا؟» وكيف يشهد على ما لم يره ولم يسمعه؟ فهل ستقول بأن الله أمرنا ان نعمل لأنه سيرى أعمالنا ورسوله والمؤمنون؟ وكيف يراها وهو ميت؟ ألا يستدعي كل ذلك أن تؤمن وتعتقد بأن الرسول حي يرى أعمالنا ويشهد علينا يوم القيامة؟
لا أعتقد أن هناك مشكلة كانت لتكون لولا تلبية بعض المسلمين للحسين سبط رسول الله، سيد شباب أهل الجنة وسيد الشهداء، والذي قضى نحبه مظلومًا على أرض كربلاء في معركة خلدتها دماء الحسين وأهل بيته وأصحابه القلة القليلة، معركة الدفاع عن حرمة الإسلام والوقوف أمام الطغيان والجبروت، على تلك الأرض نادى الحسين الذي قتل في سبيل الله تعالى «إلا من ناصرٍ ينصرنا»، ونصرة الحسين هي نصرة لله ورسوله، وهذا النداء وهذه الدعوة نحن نسمعها مرارًا وتكرارًا كلما علا الطاغوت واشتدت سواعد الجبروت، فنحن نشاهد ملحمة الطف لنستذكر أن الحسين لم يمت وأنه ينادينا من جديد للوقوف في وجه المعتدين، ومن يسفكون دماء المسلمين، ويستحلون حرمهم، فنلبي نداءه الذي لم يخرسه الزمان ولا المكان ولا أصوات الأعداء، ونقول له: نحن على العهد الذي عاهدنا به الله ورسوله وعاهدناك به، لن نركع للطاغوت والجبروت، لن نتخلى عن إسلامنا المحمدي، سنرخص دماءنا في سبيل الله، فنحن نلبي داعي الله بالنصرة والطاعة ونقول: «لبيك يا حسين، لبيك داعي الله، لبيك أيها الشهيد السبط المظلوم»، ونسأل الله أن يجعل خاتمة أمورنا إلى خير ونسأله حسن الخاتمة لنكون في زمرة الحسين عليه السلام وأشياعه وأنصاره ومن لبى نداءه وننال كرامة الخلود، وتكون دماؤنا زيتًا لمصباح الحرية والإخلاص لله تعالى.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد