من هنا انفصلت الجهة التشريعية عن الجهة التنفيذية في بنية الدولة الإسلامية
كأي دولة ذات سيادة وحدود جغرافية لانتشارها، كانت الدولة الإسلامية والتي أسسها النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، دولة لها منهاج وقوانين داخلية تدير أمور الرعاية من المسلمين ومن غيرهم واضعة نواة الدولة العادلة والتي تتحكم بمواردها بما يخدم مواطنيها، ورغم أن عمر دولة النبي الأكرم تحت حكمه المباشر كانت قليلة إلا إنها استطاعت أن تنقل المجتمع البدوي والعشائري من حالة العشوائية والعيش بكدر وضيق الى حالة من الاستقرار النفسي مع تحديد أساسيات التعاملات بين جميع أطياف المجتمع وهو يراعي تلك القيم والمواريث والعادات والتقاليد الحسنة ويعطيها دوراً واضحاً في تعميقها أكثر وفي ذات الوقت فأنه كان يستهدف العادات والتقاليد الخبيثة والفاسدة ويستأصلها من جذورها.
ماهي طبيعة السلطة في الدولة التي أقامها النبي عليه السلام؟
دولة النبي التي أسسها في مدينته المنورة كانت السلطة فيها تنحصر في شخص النبي نفسه، وهذا ما أعطاه حق ان يكون في منطقتين من مناطق إدارة الدولة، إحداهما هي المنطقة التشريعية والتي تتيح له فرصة إصدار القانون الشرعي والذي بدوره يسري على الناس جميعاً، وهذا التشريع القانوني يحتاج الى منطقة أخرى وهي المنطقة التنفيذية، حيث كان هو ايضاً الجهة المنفذة لما يصدر عن الجهة التشريعية، فهو القاضي بين الناس والمقسم للعطاء وقائد القوات المسلحة ومراقب الولاة والاعوان على تنفيذ قوانين الدولة.
على نفس هذا المنهاج كانت الدولة الإسلامية تحت إدارة الخلفاء الأربعة، حيث كانت أمور الدولة تدار تشريعياً وتنفيذياً من نفس الخليفة، وخلال هذه الحقبة الزمنية كان أصحاب النبي الأكرم يحاولون تصحيح أي خطأ ومعالجة أي فجوة تحصل بسبب أي اجتهاد يصدر عن الخلفاء كونهم جميعاً كانوا قد سمعوا لقائد الدولة وكلهم يعرفون ما لهم وما عليهم، وهذا ما جعل الدولة الإسلامية في مأمن من الانحراف العقائدي وخاصة في أسس المعتقد الإسلامي، والتي كانت هي الجدار الحامل لهذه الدولة وخاصة وهي توسطت قوتين بعدما انتهت من حربها مع المشركين، وهما الفرس والروم، وحتى بعدما خاضت الدولة الإسلامية حربها للدفاع عن تواجدها ضد كلتا القوتين، كانت ما زالت مستمرة بالمسير على الأسس العريضة لنهج دولة النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم.
معاوية والسلطة
عند تولي معاوية بعد صراعٍ على السلطة ومحاولات كثيرة منه لتحويل الحكم الإسلامي من نظام الشورى والأكثر استحقاقاً بناءً على مواصفات خاصة تحددها درجة تقوى الشخص المرشح لذلك، الى حكم عائلي مغلق حتى وإن افتقد لشرطي المقبولية والتقوى، ولكن كان من المفترض أن تكون هذه المحاولة قد تنازل عنها معاوية في صلحه مع سبط النبي الأكرم الحسن ابن علي، ولكنه عند وفاته نكث الشروط الواردة في نص الصلح وولى ابنه يزيد أمور الدولة، وهنا شعر الحسين ابن علي بالخطر الذي سيطوق الدولة الإسلامية عندما يتحكم شخص ليس بالمستوى المقبول ولا يمتلك رصيداً كبيراً من ضروريات المعرفة الدينية والعقائدية، وتشوب تصرفاته الكثير من علامات الاستفهام والتي أخرجته من المنافسة على كرسيٍ في صفوف المتقين، وهي العنصر الأساسي لاختيار الخليفة.
النهضة الحسينية
من أهم ما قامت به النهضة الحسينية في الوقوف بوجه هذا الخرق الخطير في بنية الدولة الإسلامية هو فصل السلطتين التشريعية والتنفيذية لا كما كانت على عهد النبي المصطفى والخلفاء الأربعة من بعده، ولهذا اليوم نحن نشهد أن الحاكم لا يفتي بل يعتمد للإفتاء على من يمتلك رصيداً علمياً ومكانة مرموقة في مراتب العلم بأحكام الإسلام، ولكنه قد يشتري ذمم بعض هؤلاء العلماء، إلا إنه لا يستطيع أن يحقق مبتغاه وخاصة عندما تعددت المذاهب والآراء الفقهية وأصبح من الصعب شراء ذمم جميع المشرعين والذين هم اليوم يمثلون مصادر الإفتاء في العالم الاسلامي، ولا بد من ظهور من يفند أية فكرة أو طرح أو رأي تشريعي يخالف كتاب الله وسنة نبيه الأكرم، وهذا هو أكبر انتصار لثورة الحسين في وجه القيادة التي لم تكتفِ بقتله وسبي نسائه بل وجرت بعدها احداث واقعة الحرة والتي استهدفت مدينة الرسول المنورة ومن بعدها استهداف الكعبة وحرقها وهدمها، وازهقت الكثير من الانفس، وهتكت الكثير من الاعراض خلال فترة حكم يزيد ابن معاوية.
ماهي مكاسب ثورة الحسين؟
ثورة الحسين ابن علي هي من حمت التشريع الإسلامي من تلاعب الحكام الفاسدين والفاسقين، ومن إعادة برمجته بما يناسب غيهم وانحرافهم، ليفعلوا كما فعل بني إسرائيل من إخفاء للحقيقة وتزوير الوقائع والتدليس ليصنعوا لنفسهم دين غير دين الإسلام الذي ارتضاه الله ورسوله لنا.
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "من هنا انفصلت الجهة التشريعية عن الجهة التنفيذية في بنية الدولة الإسلامية"
إرسال تعليق