التشريعات الإسلامية قطعية أم ظنية؟
يتفق جميع المسلمين على أن مصدر التشريع الأول في الإسلام هو القرآن الكريم، باستثناء القرآنيين والذين لا يعتقدون بوجود مصدر تشريعي آخر مع القرآن، وهو كما يقال (حسبنا كتاب الله)، فلا دور لسنة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كمصدر مهم للتشريع، ولن نخوض في أحقية وبطلان فكرة واعتقاد القرآنيين، ولكننا سنخوض فيما أجمع عليه المسلمون من أن سنة النبي الأكرم هي المصدر التشريع الثاني، والتي تكمل وتبين وتفسر ما ورد في المصدر التشريعي الأول (القرآن الكريم).
بما أننا نحتاج إلى قول وفعل وإقرار النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في فهم التشريعات الإسلامية الواردة في القرآن، فنحن نحتاج إلى نصوص وأحاديث وقصص منقولة عنه، وينقلها أشخاص ثقات يوصلون إلينا حكمًا شرعيًا بينه النبي الأكرم في وقته، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، إذ إن الحديث لم يدون في الإسلام إلا متأخرًا، ولم يعتمد المسلمون على منبعٍ واحد يستسقون منه أحكام الإسلام، بل اعتمدوا مصادرًا كثيرة، وهذه المصادر تراوحت في مقدار وقوة فهمها للسنة النبوية الشريفة، وتعرضت إلى تدليس وتزوير واختلاق، مرة بحسن نية لقصور في الفهم ومرة بقصد الإساءة أو الاستفادة الدنيوية من سرد هذه الأحاديث الموضوعة والمحرفة، لذلك نجد أن كتب الحديث تنقل لنا أن الصحابة اختلفوا فيما بينهم في بعض الأحكام الشرعية، وذلك بعد وفاة النبي الأكرم بفترة قصيرة، فقد ورد أن الصحابة كانوا يختلفون في أحكام شرعية تكاد تكون يومية ومهمة، مثل اختلافهم في متى يحصل غسل الجنابة، وهذا بحد ذاته يظهر أن تناقل السنة النبوية كان فيه تفاوت بين أصحاب النبي الأكرم، فكيف بهذا التفاوت وهو يتنقل من صحابي إلى صحابي آخر، ومن تابعي إلى تابعي آخر وصولًا إلى القرن الثاني من الهجرة حيث دون الحديث فعليًا، وصنف في كتب، ووضعت لها تراجم وشروحات فيما بعد!
بسبب كثرة مصادر الحديث ورجالاته، ظهرت عدة مشاكل شائكة ومتداخلة تطلبت من المسلمين أن يخضعوها إلى تنقيح أما لإخراجها أو إدخالها كحديث صحيح ومقبول، أو لفهم ما ورد فيها من حكم، أو استخراج حكم منها بطرق وأساليب مختلفة وهو الاستنباط، أو إخضاعها إلى مزاج العالم المتمرس بالعلوم الإسلامية، حيث سيختار من السنة النبوية في حكم شرعي معين تم نقل هذا الحكم الشرعي بتفاصيل ونتائج مختلفة ليحدد من كل ذلك ما يراه الأنسب والأقرب إلى قلبه حيث يطمأن له ويستند اليه ويحكم به.
لن تجد مذهبًا اسلاميًا لا يختلف في أحكامه الشرعية مع المذاهب الأخرى، من أحكام الوضوء، والصلاة، والصوم، والحج، وصولًا إلى أعقد المسائل الفقهية، والتي تخص البيع والشراء، والميراث وغيرها، وكل ذلك بسبب اختلاف المصدر التشريعي وعدم توحده ووضوحه، ويمكن لأي مسلم الرجوع إلى أمهات الكتب الخاصة بالأحكام الشرعية لدى المذاهب الإسلامية والنظر في أحكامها الشرعية ومعرفة مدى الاختلاف والتوافق بينها.
بالطبع هذا الاختلاف حصل بسبب فهم الدليل، وكل مسلم يحب أن يبحث عن أسباب الأحكام الشرعية يستطيع أن يقارن بموضوعية بين دليل مذهبه ودليل المذهب الاخر دون تعصب، وإن كان يصعب عليه ذلك فليكتفِ بتطبيق الحكم الشرعي الوارد اليه دون النيل من أحكام الاخرين، فدليل هذا ودليل ذلك مصدره واحد، القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والاختلاف في الفهم وطريقة استنباط الحكم الشرعي هي نتيجة واقع الحال واختلاف المقال.
مما تقدم نفهم أن الأحكام الشرعية الإسلامية حاليًا هي أحكام قطعية وأحكام ظنية، أما الأحكام القطعية فهي لا تخضع إلى مزاج واستنباط أي شخص حتى العلماء، بسبب ثبوتها بشكل قطعي في مصدري التشريع الإسلامي (القرآن، والسنة النبوية)، مثل وجوب الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وحرمة زواج الأم، وغيرها من الأحكام الشرعية الثابتة، والتي لا نزاع على قطعيتها، فلا نقاش في التشريعات القطعية.
لكن لو تعمقنا في تلك الأحكام القطعية الثابتة، سنحتاج إلى تفصيل في التشريعات الثانوية التي تصدر عنها، فحكم الصلاة وأوقاتها وكيفية أدائها ومبطلاتها وغيرها من الأحكام المرتبطة بها، سنجدها تختلف بين المسلمين وهذا يجعلها في هذه المرحلة أحكامًا ظنية لا قطعية، انظر إلى كبار علماء المسلمين في الشريعة الإسلامية، ستجدهم في أغلب الأحيان يوردون عبارة (والله اعلم) في نهاية أي استفتاء لهم في حكم شرعي؛ لأنهم في واقع الأمر يظنون أن هذا هو الحكم الذي أراده الرسول الأكرم، أو هو ما كان ليقول به، أو هو ما أرادنا فهمه من سيرته وسنته صلى الله عليه وآله وسلم.
خلاصة القول إن الأحكام الشرعية المتفرعة والكثيرة هي أحكام ظنية، وكل مفتٍ يرى في حكمه الصحة لقناعته بدليله، وعليه ليس لأحدٍ أن يلزم الآخرين برأيه ورؤيته، وليس له أن يسوق رؤيته على أنها أمر قطعيًا؛ لأنه بذلك يفتري كذبًا، وليس لمن يتبعه أن يعتقد بذلك ايضًا، وما يمكن فعله هو مناقشة الأدلة واحترام الآراء والعمل بقوله تعالى «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».
https://www.sasapost.com/opinion/islamic-legislation-definitive-or-presumptive/
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "التشريعات الإسلامية قطعية أم ظنية؟"
إرسال تعليق