فاقد الشيء عندما يحاول سلبه من الآخرين
مع وقت الظهيرة، وعندما بدأ المؤذن يرفع اذان الظهر، همّ زيد النزول من على السقالة، أزال عن وجهه القناع، ونزع عن كفيه كفوفه، وكانت قطرات العرق تتقاطر من جبهته، في ذلك النهار الحار، نزل وصولاً الى منتصف السقالة، حيث خزان الماء الصغير، أراد أن يشرب بعض الماء البارد، ولكنه تفاجأ بشخص يحمل عصاً طويلة يضرب يده والقدح معاً، ويدفع بخزان الماء الصغير من على السقالة، ليسقط ويتبدد ماؤه البارد، التفت زيد ليعرف من هذا الشخص، وإذا به صاحب البيت.
لماذا ضرب صاحب البيت زيد؟
وقف صاحب البيت وهو يوبخ جميع العاملين من ضمنهم زيد، وكان يسبهم ويهددهم بالسجن والترحيل من بلده، بل وكان يرمي عليهم ما يجده امامه من حجارة وخشب واوساخ، ويضرب من يقترب منه، وفي تلك اللحظات كان جميع العمال يسمعون اهانات صاحب البيت وهم ساكتون، تقبلوا الإهانة دون أي اعتراض، حاول زيد ان يبين لصاحب الدار انهم همّوا بترك العمل ليصلوا الظهر، ويأكلوا بعض الطعام، فهم يعملون منذ ساعات الفجر، وقد اعياهم التعب وحرارة الشمس اللاهبة.
توبيخ صاحب البيت لزيد والعاملين معه
تقدم صاحب البيت نحو زيد فضربه على يده، ثم صاح بصوت عال، “لا صلاة لكم ارجعوا للعمل أنتم عبيد، ستعملون رغماً عنكم وحتى غداؤكم لن تأكلوه ما لم تكملوا عملكم، وهذه جوازات سفركم عندي، ايما احدٍ منكم يحاول الذهاب او ترك العمل سأسلمه الى الشرطة”.
هل كان على زيد أن يسكت ولا يجادل صاحب البيت؟
عاد الجميع للعمل وهم يلومون زيد على ما فعله، كان عليه ان يسكت والا يجادل صاحب البيت، وبعضهم زاد على ذلك بتوبيخه واهانته، حتى انهم أرادوا ضربه، ولكنهم كانوا يخافون من نقلهم الى مركز الشرطة وتسفيرهم الى خارج البلاد وسلبهم جميع أموالهم التي اكتسبوها خلال سني عملهم في هذا البلد، وبعد ساعات من العمل الطويل اكملوا صبغ وترميم البيت، وكان الليل قد حل، انتظروا صاحب البيت يكمل صلاته في المسجد القريب من بيته.
وعندما عاد اليهم وجدهم ينتظرونه من اجل استحصال أجور عملهم المتفق عليها، جلس على الشرفة، نظر اليهم باستصغار واحتقار، شتمهم كالعادة، طلب منهم ان يقفوا في صف واحد، وبدأ يسألهم عن عملهم، ماذا تجيد وماذا عملت ومن اين جئت ومع كل شخص يعيد تمجيد نفسه وتحقير الاخرين، وفي النهاية يرمي اجورهم ناقصة ومن يجادله يسحب أجرته ويهدده بالتسفير.
الذل الذي عاشه زيد من قبل صاحب البيت
عندما وصل الى زيد، زاد في اذلاله كثيراً، حتى جعله يطلب منه العفو والمسامحة، ويرجوه ويتوسل اليه ان يعطيه اجره ولو ناقصاً، بل واخذ يفعل كما يفعل المهرج في السرك، يحاول بشتى الطرق نيل عطفه، وفي اخر المطاف ابلغه ان يعود في اليوم التالي للعمل، ورمى له أجرته ناقصة كالآخرين، بل وزاد عليها انه بصق عليها قبل ان يرميها له.
عاد زيد للعمل في هذا البيت وفي بيوت أخرى، فقد زيد كرامته، لم تعد له أي كرامة قط، وبقي هكذا يتسلق السلم نحو الأعلى بائعاً ماء وجهه، يتملق هذا ويمسح على اقدام ذاك، حتى وصل الى مرتبة علمية جيدة، فعاد الى وطنه الام بعد الغربة، وليته لم يعد.
هل فقد زيد كرامته بعد كل ما حصل معه؟
زيد فاقد الكرامة أصبح ذي شأن في بلده، ولكنه بقي بلا كرامة، لقد فقدها ولا يعرف كيف يعود بها، وكل من يقف بوجهه او يعارض رأيه يعتبره عدوه، لأنه ببساطة يرى عندهم كرامته التي ضاعت منه في الغربة، لهذا زيد أصبح متعطشاً للنيل من كرامات الآخرين، هو يبحث عن اشخاص يسلبهم كرامتهم ليضيع بينهم، فاقد الكرامة يسعى دوماً لسرقة كرامة الناس، فلم يعد عند زيد المثل (فاقد الشيء لا يعطيه) بل أصبح عنده (فاقد الشيء يحاول سلبه من الاخرين). فكم من أمثال زيدٍ تعرفون؟ وهل زيد هذا مريض يحتاج الى الشفقة والرعاية؟ ام صعلوك اعتاد السير في الطرق الملتوية ويحتاج الى تأديب وتوبيخ؟
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "فاقد الشيء عندما يحاول سلبه من الآخرين"
إرسال تعليق